باحثان إسرائيليان: عدم استخدام “الفيتو” يعكس أزمة بين واشنطن وتل أبيب

> «الأيام» القدس العربي:

> يستعرض باحثان في معهد دراسات إسرائيلي يميني معاني الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويزعمان أن طرفها الآني ليس بنيامين نتنياهو بل إسرائيل، وأن الضغط الأمريكي عليه سيخدمه ويأتي بنتائج معكوسة.

ويقول الباحثان في معهد “مسغاف” للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، غابي سيبوني وكوفي ميخائيل، إنه للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر امتنعت الولايات المتحدة عن فرض الفيتو (حق النقض) على اقتراحَي قرارَين طُرحا على مجلس الأمن في الأمم المتحدة للموافقة. ويتابعان: “صحيح أن القرارَين اللذين اتُّخذا غير مُلزمَين لأنهما لم يكونا ضمن البند السابع في وثيقة الأمم المتحدة، الذي يفرض تطبيق القرار عبر فرض العقوبات، لكن في جميع الأحوال، المقصود سابقة خطِيرة وإشكالية في سلوك الولايات المتحدة إزاء الحرب ضد “حماس” عموماً، وإزاء كل ما له علاقة بمنظومة العلاقات مع إسرائيل خصوصاً. علاوةً على ذلك، هناك دول استفادت كثيراً من القرار. لقد أعلن رئيس كولومبيا غوستافو بيترو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إذا لم تطبّق هذه الأخيرة القرار”.

ويقول الباحثان الإسرائيليان إنه في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تمتنع فيها الولايات المتحدة عن فرض الفيتو على قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل، فقد سبق أن امتنعت عن استخدام الفيتو ضد القرار 2334 ضد المستوطنات، والذي اتُّخذ في كانون الأول/ديسمبر 2016، خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، لكن هذا جرى في أواخر ولاية رئيس ديموقراطي، وليس في أثناء الحرب. ويضيفان: “عندما نقارن هذا بما حدث، ندرك أن ما جرى هو خطوة أمريكية غير مسبوقة من حيث خطورتها، وهو ما يدل على خطورة الأزمة بين البلدين، وخصوصاً بين الرئيسين”. ويعتقد الباحثان أن الولايات المتحدة قصدت بامتناعها إضعاف إسرائيل وإنضاج الظروف لفرض وقف الحرب بواسطة صفقة تحرير المحتجزين ووقف إطلاق نار مستمر، تتخلله مراحل من وقف النار وإطلاق المحتجزين، بينما الهدف الواضح هو وقف الحرب، حتى لو كان الثمن عدم تحقيق أهدافها كما حددتها الحكومة الإسرائيلية، وأيّدتها الولايات المتحدة.

وطبقا للباحثين الإسرائيليين، فإنه إذا كان هناك مَن يشكك في ماهية قرار امتناع الولايات المتحدة من استخدام الفيتو، وفي دلالاته وإشكالياته، فيكفي أن يستمع إلى ترحيب “حماس” بالقرار، ومجرد هذا الترحيب يدل على أن القرار يصب في مصلحتها، وبواسطته، يمكنها الدفع قدماً بأهدافها، لذلك، هو بالتأكيد قرار سيء بالنسبة إلى إسرائيل، ويُلحق الضرر بمصالحها الحيوية. ويشيران إلى أن هناك مَن يربط القرار الأمريكي باعتبارات داخلية لها علاقة بحملة الانتخابات الرئاسية للرئيس بايدن، وأنه من أجل استرضاء الناخبين المسلمين والتقدميين، وذلك في ضوء وضع بايدن الصعب والانتقادات اللاذعة الموجهة إليه وإلى إدارته بسبب دعمهما إسرائيل. كما يقولان إن هناك مَن يعزو ذلك إلى الاستياء العميق وخيبة الأمل اللتين يشعر بهما الرئيس والإدارة حيال سلوك الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، والمماطلة والامتناع من مناقشة “اليوم التالي للحرب”، وقبل كل شيء، تحدي الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن نفسه. ويرجحّان أن تكون هذه عوامل مؤثرة، لكن يبدو أن هناك أسباباً جوهرية أكثر، تتعلق بالرغبة الأمريكية في تحقيق إنجاز سياسي مهم، قادر على الدفع قدماً برؤيا الهندسة الإقليمية الجديدة المضادة للمحور الإيراني، ومنع توسُّع الحرب إلى حرب إقليمية، وتفادي المواجهة المباشرة مع إيران، وتجنُّب الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، والمشاركة الواسعة من الجنود الأمريكيين في الحرب في الشرق الأوسط.

حجر الزاوية

وقال الباحثان إن حجر الزاوية في هذه الرؤيا، أو الاستراتيجية الأمريكية، هي وقف الحرب في غزة بصورة تتضمن ترميم السلطة الفلسطينية وإعادتها إلى قطاع غزة، والدفع بفكرة الدولتين وفي نظر الأمريكيين، سيسمح وقف الحرب بإنهاء القتال في الشمال ضد حزب الله، والمواجهة مع الحوثيين. ومن هنا يستنتجان: بما أن وقف النار في القطاع هو حجر الأساس في هذه العملية كلها، فإن الولايات المتحدة مستعدة لفرض وقف الحرب على إسرائيل، حتى لو كان الثمن عدم استكمال أهداف الحرب وتفكيك المنظومتين الحكومية والعسكرية لـ”حماس” في قطاع غزة. ويضيفان: “يبدو أن فرضية العمل الأمريكية هي أن “حماس” لن تبقى هي السيد في القطاع بسبب عودة السلطة الفلسطينية، أو جهة من طرفها، إلى قطاع غزة”. وبنظرهما، من المشكوك فيه أن يعتقد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية حقاً أن هناك إمكانية لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وفي إمكانية أن تعمل السلطة كحكومة فعالة في القطاع. وحسب منطق هذين الباحثين الإسرائيليين، يمكن الافتراض أن تأليف حكومة تكنوقراط في السلطة الفلسطينية هو نوع من ذرّ الرماد في العيون، ولن يؤدي إلى الدفع قدماً بإصلاحات مهمة في السلطة الفلسطينية وبناءً على ذلك، من الصعب عدم التعامل مع القرار الأمريكي بشأن عدم استخدام الفيتو على أنه يدل على أمر أعمق، وهو يذكّر بمنع إسرائيل في نهاية حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 من تدمير الجيش المصري الثالث.

استمرار النزيف

ويمضي الباحثان في استعراض تبعات القرار الأمريكي: “في الحالتين، يبدو أن الدافع واحد، وهو عدم السماح لإسرائيل بتحقيق الانتصار، واستمرار النزيف أعواماً طويلة، وهو ما يعمّق اعتمادها على الولايات المتحدة، ويحدد واقع العلاقة بين المدير والزبون. من المحتمل أننا هنا أمام اعتبار استراتيجي عميق وبارد ووحشي، الغرض منه ضمان المصالح الأمريكية، حتى لو كان الثمن التضحية بمصالح حيوية بالنسبة إلى إسرائيل. وإذا كانت هذه الاعتبارات هي التي توّجه سلوك الولايات المتحدة، فإنه سلوك يدل على عدم فهم عميق لِما يجري في الشرق الأوسط، وسيدفع كثيرون في المنطقة أثمانه الباهظة، بمن فيهم الحلفاء المقربون”. ويقول الباحثان الإسرائيليان، القريبان من رؤية نتنياهو للواقع السياسي، إن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة يشكل ضربة قوية لمحاولات واشنطن الدفع قدماً بالهندسة الإقليمية التي تعتمد على السعودية، وعلى دول اتفاقات أبراهام، ويتساءلان: فإذا تخلت الولايات المتحدة عن حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط، ماذا يجب أن يفهم حلفاؤها الآخرون بشأن التزاماتها حيالهم؟.

أهداف معكوسة

ويزعم الباحثان أن الولايات المتحدة حاولت تشجيع قيام حلف دفاع ثلاثي مع السعودية وإسرائيل، لكن الآن، وبعد أن أصبح هذا حلماً بعيد المنال، ووضع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مواجهة وضع صعب، وبينما “حماس” توشك على التخلي عن مكانتها كجهة مسيطرة على قطاع غزة، فإن ما جرى مؤخراً نفخ رياحاً قوية في أجنحة محور المقاومة بكافة مكوناته، وخصوصاً زعيمة المحور إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإخوان المسلمين وسائر التنظيمات الجهادية. وانسجاما مع مزاعم نتنياهو التي تبين عدم صحتها للقرار الأمريكي، يدعي الباحثان الإسرائيليان أن هناك تأثيرا مباشرا في حوافز “حماس” على الدفع بصفقة المحتجزين: ترى “حماس” أن الضغط يزداد على إسرائيل وكل ما يجب القيام به هو الاستمرار في تأجيل ردها ورفع الثمن. الضغط الأمريكي على إسرائيل من أجل منعها من القيام بعملية في رفح يعطي قيادة “حماس” في القطاع دفعاً قوياً، ويرسّخ الدعم الشعبي والسياسي للحركة، كما يعزز محور المقاومة، ليس فقط في غزة، بل في لبنان، وفي إيران خصوصاً.

كما يزعمان أن الإنجاز الوحيد للأمريكيين هو المسّ برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتعميق الشرخ بينهم وبينه، انطلاقاً من التقدير أن تفاقُم الأزمة يمكن أن يؤدي إلى انتخابات في إسرائيل، وإلى تأليف حكومة أكثر قرباً من الأفكار الأمريكية. ويعتقدان أن واشنطن قد أخطاًت في فهم المجتمع والسياسة في إسرائيل، وهو أمر شديد التعقيد حتى بالنسبة إلينا كإسرائيليين: لقد فشل الأمريكيون في فهم الجدلية الحالية في السياسة الإسرائيلية، وهي أنه إلى جانب النقد اللاذع لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، هناك أيضاً إجماع واسع جداً على أهداف الحرب وضرورة تحقيقها، ومعارضة واسعة جداً لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وعدم ثقة عميقة بالفلسطينيين، وبمشروع حل الدولتين. كما أن أغلبية معارضي نتنياهو تقف ضد التدخل الأمريكي الصارخ في السياسة الإسرائيلية، وضد محاولات فرض وقف الحرب على إسرائيل قبل تحقيق أهدافها. ويخلص هذان الباحثان الإسرائيليان للقول إنه بناءً على ذلك، من المنطقي الافتراض أن الخطوات الأمريكية لن تحقق التغيير المراد في السياسة الإسرائيلية، بل على العكس، ستزيد في التأييد لنتنياهو الذي سيعتبر أنه يدافع عن المصالح الإسرائيلية وعن الكرامة الوطنية من خلال إصراره على تحقيق أهداف الحرب، حتى لو كان الثمن تفاقُم المواجهة مع الإدارة الأمريكية التي يشعر الإسرائيليون أنها تبتعد عن إسرائيل، وعن التأييد الذي أظهرته لأهداف الحرب في الأشهر الأولى، وبأنها لا تتعامل مع إسرائيل على أنها حليفة لها”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى