• لمحة تاريخية ضرورية
> في ثمانينيات القرن الماضي عند غزو السوفييت لأفغانستان سُمح لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي بدور معين في دعم مجاهدي أفغانستان عبر حشد متطوعين يشاركون في الجهاد ضد احتلال السوفييت لدولة إسلامية ووقف المد الشيوعي حسب زعمهم، وكانت يقف وراء هذا الجهاد استخبارات غربية، ويأتي هذا في إطار الصراع الدولي للحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، ومن أهدافها الرئيسية توجيه هزيمة للسوفييت مقابل دعم السوفييت للثوار الفيتناميين الذين هزموا القوات الأمريكية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولإنجاح الفكرة تم حشد فيالق المجاهدين وإرسالهم إلى أفغانستان ودعمهم بالمال والسلاح ووضعت تحت تصرفهم محطة لوجستية في بيشاور لاستيعابهم وتوزيعهم على جبهات القتال، واشترك في ذلك عشرات الآلاف من المجاهدين العرب من مختلف البلدان العربية.

وبالمناسبة الأفغان قوم هزموا الإمبراطورية البريطانية في تاريخ سابق وليسوا بحاجة لمشاركة أحد في القتال إلى جانبهم وكانت هزيمة الأمريكان الأخيرة خير شاهد على قوة وصلابة الشعب الأفغاني، ومع ذلك بعد سنوات من الجهاد كانت هزيمة القوات السوفييتية، وأصبح آلاف المجاهدين المتمرسين على القتال على الرصيف لا شغل معهم غير مهنة القتل والتدمير، فعقدوا مؤتمرا بمدينة بشاور في سبتمبر من عام 89م لمناقشة أوضاعهم وكيف يمكن الاستفادة منهم في مناطق أخرى، وكان القرار هو التوجه إلى اليمن الشمالية لجعلها قاعدة انطلاق لتحرير عدن من (الشيوعية)، حسب زعمهم، وكانت الموافقة من السلطات الرسمية في صنعاء وتم استيعاب عشرات الآلاف منهم ومن ضمنهم جنوبيون وفتح لهم معسكرات وضمهم إلى قوام الجيش والأمن السياسي ومنحوا رتبًا حسب سنوات تواجدهم في أفغانستان.

شاءت الأقدار أن تتم مشاورات الوحدة في تلك الفترة وتسير خطوات التوحيد على قدم وساق بين الجنوب والشمال وتم توقيع إحالة الدستور للمجلسين في 30 نوفمبر من عام 89م يعني أن الوحدة ستكون على الأبواب، ومع ذلك نظام صنعاء لم يوقف إجراءات حشد المجاهدين العرب من أفغانستان الذين حددوا أن هدفهم إسقاط عدن، وهنا تكمن المفارقة العجيبة بأن هذا النظام وهو يعمل على توقيع صفقة تاريخية لتوحيد الدولتين ويقتضي الأمر توخي الحذر في توفير أجواء آمنة لتسيير التوحيد، وإنجاحه يقوم في نفس الوقت بحشد مجاهدي أفغانستان والإخوان المسلمين مناهضي المشروع النهضوي المدني لبناء دولة يمنية قوية، وبهذا التصرف كان الغدر بالجنوب مبيتا مسبقا لإدخاله في معمعان دوامة من الإرهاب والفوضى والتدمير.

بدأت خطة تنفيذ الاغتيالات للقيادات الجنوبية وبعض أعمال التفجيرات في عدن مباشرة بعد الوحدة وتكهرب الجو بين شريكي الوحدة حتى الوصول إلى حرب صيف 94م، وشاركت قوات المجاهدين العرب في المعارك وتموضع بعضهم في مناطق محددة من الجنوب وبعد عمليات إرهابية ضد السواح الأجانب في بعض مناطق اليمن ومنها في الجنوب وعمليات أخرى في دول أخرى ضد مصالح غربية ظهر توصيف جديد للمجاهدين تحت اسم القاعدة وأصبحت تتسم عملياتها بالإرهابية، وأعلن عن محاربتها عالميا وكانت اليمن من ضمن الدول التي انضمت لهذا التوجه على أمل استثمار هذا النوع من العمل الإرهابي في تثبيت الإرهاب بمناطق الجنوب أولا وثانيا للاستفادة من الدعم الدولي لمحاربة القاعدة، وفي الواقع استمرت عملية اغتيال الجنوبيين على قدم وساق ولم تتوقف وزادت وتيرتها أثناء مرحلة الحراك السلمي، حيث شكلت لجان لهذا الغرض على رأسها بعض من قيادات الشرعية الحالية ولم يتوقف ذلك العمل الجبان الذي يسير تحت رعاية الدولة وأجهزتها الرسمية حتى تم تسليم أنصار الشريعة عاصمة محافظة أبين عند انتقال السلطة في 2012م وعند الانقلاب على الشرعية تم تسليم القاعدة عاصمة محافظة حضرموت وكل ذلك يتم تحت نظر وبصر سلطات نظام صنعاء والقوات الشمالية في تلك المناطق.

بالمناسبة القاعدة اليمنية متخصصة بالجنوب وقيادات وكوادر الحنوب فقط، وهذا تأكيد على أنها صناعة يمنية 100‎ % ذات أهداف موجهة ضد الحنوب.

الآن عودة الإرهاب إلى الجنوب في هذه الظروف الحساسة وهى موجهة ضد القوات الجنوبية ولم نجد لها أي أثر ضد قوات الشرعية أو الحوثي، هل ذلك صدفة أو أنها ذات صلة بالماضي وذات الممول والمشغل؟

ما أشبه الليلة بالبارحة بشراكة الجنوب في الوحدة كانت القاعدة وأخواتها متخصصة بالقوات الجنوبية والقيادات الجنوبية فقط.. اليوم في ظل شراكة الانتقالي للشرعية تتكرر الأحداث فالقاعدة وأخواتها تتمركز في نفس مناطق الجنوب السابقة وميدان عملها القوات الجنوبية والقيادات الجنوبية.

السؤال ماذا تبقى أمام الجنوبيين وهم يشاهدون تضييق الخناق عليهم من كل الجوانب؟ وهل قدر الجنوبيون أن يلدغوا عدة مرات من جحر واحد؟ وهذا السؤال موجه لقيادة الانتقالي ولكل القيادات الجنوبية الأخرى ولكل شعب الجنوب.. إلى متى نظل متلقين وضحايا ونحن نشاهد أعداءنا يمرون من أمامنا ويعيشون وسطنا وأبواب بلادنا مشرعة لمن هب ودب.. فعلى الأقل تقف كل القيادات الجنوبية أمام هذا الوضع، وتعلن موقفها الصريح وتلملم شتات الجنوبيين للتصدي لهذا المخطط الإجرامي بحق جنودنا البواسل وكل كوادر الحنوب، ولا أعتقد أن أحدًا سيمنع هذا التوجه أو سيفرض علينا العيش تحت هذا الوضع المأساوي ومن هنا تبدأ صناعة تاريخ مجد الجنوب وإلا سيكون الأوان قد فات.