دبي نجاح أسطوري ومحاولات لكبح الغلاء وقهر الزحام

> «الأيام» فاروق لقمان:

>
راشد بن مكثوم
راشد بن مكثوم
في طريقي من مطار دبي الدولي إلى فندق حياة ريجنسي قرأت في واحدة من الصحف اليومية العديدة عن أحدث مشاريع الإمارة العجيبة في يوم واحد,الأول يشتمل على بناء مطار دولي في (جبل علي) الميناء الحر الشهير بكلفة تقدر بخمسة مليارات دولار أمريكي لأن المطار الحالي (الأسطوري) أصبح لا يكفي ولا يتسع للحركة المستقبلية بالرغم من سعته الهائلة لملايين القادمين سنوياً بحيث إنني اضطررت إلى ركوب سيارة تسير بالبطارية للوصول إلى قرب ساحة الجوازات. وآخرون فضلوا الوقوف في مسارات كهربائية تدفعهم إلى الأمام بدون إبداء أي حركة أو بذل أي نشاط من جهتهم.. ولما كان جبل علي اليوم أضعاف ما كان عليه ميناء عدن الحر وسيكون بلا شك أكبر من مينائي سنغافورة وهونج كونج صارت الحاجة ملحة لتطويره عدة مرات ما يبشر ميناء عدن الحر بالخير لأن هيئة موانئ دبي ستقوم بإدارته إن شاء الله بنجاح أكبر مما حدث له مع الإدارة السابقة. ولعل القراء الكرام يتذكرون أن كبير مهندسي ميناء جبل علي كان حتى العام الماضي الدكتور المهندس اليمني شهاب غانم الشاعر الأديب وابن الأستاذ السيد محمد عبده غانم رحمه الله.

ثانياً أن شركة (أدنوك) النفطية قررت توسيع مصفاتها فوراً بنصف مليار دولار لترفع إنتاجها إلى مائة ألف برميل يومياً. والجدير بالذكر أن مدير عام (أدنوك) هو المهندس حسين سلطان الجنيدي من مواليد عدن وخريج هندسة من بريطانيا، ويدير أكثر من عشرين شركة كبرى أخرى تحت مظلة (أدنوك».

ثالثاً إن هيئة موانئ دبي اشترت شركة (بي آند أو) البريطانية التي تدير ثمانية عشر ميناءً حول العالم ودفعت فيها أكثر من سبعة مليارات دولار. رابعاً أن شركة الإمارات للطيران التابعة لدبي تعاقدت على شراء عدد من أحدث الطائرات من إيرباص وبوينج بمبالغ تزيد على ذلك خلال معرض الطيران الذي نظمته دبي منذ أسبوعين.

كل ذلك قرأته وأنا في الطريق إلى فندق حياة وهو واحد من أربعمائة فندق وربما يكون العدد قد ارتفع مند زيارتي الاخيرة التي ذكرتها آنفاً. أضف إلى ذلك موجة العمران التسونامية -مع الفارق في الآثار- الذي تشهده دبي التي يسكنها ثلاثة ملايين نسمة معظمهم من الهنود وأغلب الهنود ينتمون إلى ولاية كيرالا - أو ملبار - التي كتبت عنها سابقاً في مقالي عن التوابل.

محمد بن راشد
محمد بن راشد
لذلك فإن دبي من أسرع المناطق في العالم تطوراً وأضيف ومن أكثرها تقدماً. فهذه المنطقة الصغيرة نسبياً تشهد المئات من المساكن الجديدة شهرياً ولديها خمس صحف إنكليزية يومية ومثلها عربية وأغلبها ناجحة ومنها واحدة جيدة جداً وتوزع مجاناً بالكامل مائة ألف نسخة يومياً، وقد استطاعت دبي أن تستقطب مئات بلا مبالغة من المليارات في صورة استثمارات خارجية منها سبعون مليارا من الدولارات من المملكة العربية السعودية وحدها نتيجة لارتفاع العوائد والأرباح والنظام الإداري والأمن الداخلي والالتزام الشعبي بالأنظمة والقوانين لأن القانون واضح والعقوبات صارمة فالأخ اليمني الذي يشهر جنبيته في بلاده لأتفه سبب لا يستطيع تهديد أحد بقلم حبر جاف.

لكن هناك ثمن لكل ذلك النجاح الذي يكاد أن يكون خرافياً فالأسعار في ارتفاع دائم والإيجارات مخيفة في كل المنطقة المواجهة للبحر من آخر دبي المتاخمة لإمارة ابوظبي العاصمة إلى الشارقة وعجمان وأم القوين ورأس الخيمة ثم الفجيرة، فالشقة ذات الحجرتين في دبي قد تكلف ستين ألف درهم او ستة عشر ألف دولار سنوياً وترتفع باستمرار كل ما زاد عدد الغرف أو كانت في موقع فاخر حتى تصل إلى خمسة وعشرين ألف دولار وإذا كانت فيلا من أربع غرف فاخرة فاعمل حسابك على أربعين ألف دولار وأكثر مما اضطر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي ووزير دفاع دولة الامارات إلى التدخل لكبح جماح التضخم وحماية المواطن والمقيم من غول الأسعار وظلم الزحام.

وحول الشيخ محمد بعبقرية فذة القرية النائمة على رمال الخليج إلى قصة نجاح قل مثيلها في العالم فهو يذكرني مثلاً بالزعيم السنغافوري لي كوان يو الذي استلم مجموعة قرى ومستنقعات من بريطانيا وحولها إلى أنجح ميناء حر ودولة مستقلة في العالم.

الشيخ الراحل راشد بن سعيد آل مكتوم والد محمد هو الذي بدأ عملية تحويل دبي متسلحاً ببعد نظر تاريخي وعزيمة حديدية مع خزانة كما تركتها له بريطانيا خالية الوفاض. كيف فعل ذلك وهو لا يملك برميلاً واحداً من النفط عام 1960م وخلال سنوات كان قد تجاوز ميناء عدن الحر التاريخي وبدأ يجاري هونج كونج وسنغافورة؟

وكنت قد التقيته يوماً ما على أحد شواطئ دبي وأوقفت سيارتي اللاندروفر تاركاً الاسرة فيها ونزلت أسلم عليه وأنا متردد بعض الشيء إلا أن زميلي الصحافي الذي كان يعمل في إدارة الشيخ شجعني ودفعني للسلام عليه ولما فعلت وعرف أنني من عدن رحب بي وأمر بقهوة وتمر وانهال علي بالاسئلة لأحدثه عن تاريخ عدن ماضيها وحاضرها (عام 1968م) وتدهورها الرهيب بعد ذلك ودعاني في اليوم التالي لزيارة أول وأكبر مشاريعه وهو ميناء راشد وكانت هناك حفارة واحدة من النوع الذي يدق الصخر ويفتته. وقال لي تفضل عندنا أو عد إلينا بعد أربع سنوات بالضبط لتشهد حفل الافتتاح ولما عدت كان الميناء حقيقة واقعة وأنا برفقة مدير البلدية آنذاك المهندس كمال حمزة وهو من أصل سوداني تجنس فيما بعد.

ومن ذلك الحين وأنا أزور دبي ثلاث مرات كل عام بحكم العمل إذ إن لدى شركتنا مجموعة من المكاتب في المدينة الإعلامية وأرى جديداً في كل مرة رغم إشفاقي على سائقي وراكبي السيارات الذين يقضون أحياناً ساعة ونصف ساعة في كل مشوار بين الشارقة المتاخمة ودبي، سيما في أشهر الصيف القائظ إذ لا مكيف يفيد ولا فتح النوافذ ينفع. واليوم يخططون لبناء سكة حديد داخلية وأنفاق وكباري لتخفيف قهر الزحام وقلة المواقف وكلتاهما من الضرائب الساحقة التي يجب على أهل دبي والمقيمين تكبدها وإلا لما كانت بحق وحقيقة لؤلؤة الخليج عربياً أو كما يقول البريطانيون جوهرة التاج «كوهي نور» ( أو جبل الضياء) وهي الألماسة التي ترصع تاج ملكة بريطانيا والتي صادروها من الهند أيام الامبراطورية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى