ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا

>
كما يبدو للمتأمل والمدقق حواليه فيما جرى ويجري من تجاهل دولي للنضالات السلمية، على عكس ما كان من اهتمام في منتصف الأربعينات وبدايةالخمسينات، حيث كانت هناك تفاعلات دولية وقبول للنضال السلمي، حتى إنّ الهند قد نالت استقلالها بقيادة المهاتما غاندي (الروح العظيمة)، وكانت الحركات السلمية تلاقي اهتماما إعلاميا رغم الفارق الكبير جداً بين إمكانيات الإعلام هذا العصر وسرعة انتشاره وكإنمّا هو نارُ سرت في الهشيم الجاف.

ولقد نالت تلك النضالات على قلتها ما تصبو إليه في ظل الانقسام في النظام الدولي، وكان العالم تحت تنافس وتجاذب نظامين كل منهما نقيض للآخر.
 ولكن ورغم سريان الحرب الباردة بين القطبين العالميين فقد كانت الأمور وكأنها أشبهُ بكفتي الميزان مع ميلان بين قضية وأخرى لإحداهما ما بين التأرجح لليمين تارة ولليسار تارة أخرى.

 اليوم وفي ظل الشبكة العنكبوتية وسرعة انتشار الأخبار، ورغم كثرة النضالات السلمية (والحراك السلمي الجنوبي أحد هذه النضالات) لم نرَ تجاوبا حقيقياً ولا ثماراً حقيقية وواقعا ملموسا تمَّ قطفها.. فهل الأسباب في طريقة النضال السلمي وغياب الرؤى والبرامج الحقيقية لها، أم أن السبب هو هيمنة القطب الواحد وسيطرة الرؤية الليبرالية المتوحشة والتي تجلت سيطرتها وغطرستها بذهاب المنظومة الإشتراكية وبروز أمريكا وهيمنتها وتفردها بالقرار الدولي، مرورا بشن الحرب على أفغانستان والعراق، ومن ثم التراجع الذي حصل كنتيجة للغطرسة الليبرالية وأدى إلى تراجع الهيمنة الأمريكية، وبروز دول منافسة ولكن دون أن يتوصل العالم إلى نظام عالمي عادل وجديد.

 ما يحصل من إفقار للشعوب النامية من قبل العولمة، ووصولا إلى أن أصبحت تلك الشعوب خالية الوفاض، مما أدى إلى أن تتجه العولمة نحو شعوب الدول الكبرى وفرنسا هي أولى الضحايا، وستلحق شعوب أوروبية بركب انتفاضة فرنسا، ولن تستقيم الأمور إلا بتصحيح النظام العالمي من قبل تلك الشعوب التي امتلكت مستوى من التطور الراقي.

 ومادام أننا نرى تجاهلا لنضالات شعبنا السلمية وشاهدنا قمعا لمتظاهري السترات الصفراء، وهنا وفي السويد رأينا التدليل والعناية بالانقلابي في صنعاء (ولا يعني ذلك قبولي بشرعية فارغة المعنى والمبنى!)، والترحيب بالعنف أصبح واضحا والمعاملة مع الحوثيين واضحة للعيان، نستطيع أن نؤكد أن التعامل أصبح يسير وفقا والبيت الشعري لأمير الشعراء أحمد شوقي:

 (وما نيل المطالبِ بالتمَنّي * ولكن تؤخذ الدُنيا غِلابا).
 ومادام التوحش الليبرالي قد عاد إليهم بعد أن أجهز على الشعوب النامية، فالأمل بتصحيح الأمور سينطلق من رحم ذلك الوحش لأنه سيأكل نفسه.. فلم يعد هناك من أموال لدى الفقراء جنوب الكرة الأرضية، وحان دور شمالها ليأخذ نصيبه من السم الليبرالي حتى تنتج جنينا جديدا وغير متوحش.     ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى