فساد الهواء ولا فساد الدواء

> منصور الصبيحي

>
فساد الهواء ولا فساد الدواء.. ذلك ينطبق انطباقاً كاملاً على وضعنا الحالي لما وصل إليه الحال من تراجع في مستوى معيشة الفرد حتى أصبح حالنا أن بعض الأسر المعدمة تماماً لا تتمكن من تأمين مسكّن البندول لها ولأطفالها، أثناء وجود عارض مرضي، مثلاً نزلة برد أو ما أشبه ذلك، فكيف لها إن أصيب أحدهم، لو قدر الله مثلاً في حادث مروري أو غيره؟ تخيل كيف يكون الأمر بالنسبة لهم، وتخيل الحالة المأساوية التي ستلحق بأفراد العائلة هذه. ومع وجود ضعف مادي يطال السواد الأعظم من الناس تراجع على إثره مستوى التكافل الاجتماعي، فلا تكاد تجد فاعل خير إلا في ما ندر.

فللحرب تأثيرها الكبير وما لها من مساوئ تترتب عليها، ولكن في الأول والأخير هو قدر مكتوب علينا خير أو شر. وهو حكم الله منزل فينا وعلينا شئنا أم أبينا.
وبالمقابل، هل وجب علينا أن نذعن ونستكين وننكس رؤوسنا صاغرين قابلين بذلك، ونحن نعلم تمام العلم بأن هناك من الدعم الكثير والكثير الذي يذهب في طريق غير طريقه إلى أولئك الناس من أصحاب الأجساد الصحيحة لكنهم ذوو نفوس مريضة بمرض الضمير؟ من لم يجدوا طريقاً لملء بطونهم وإشباع جشع نفوسهم إلا من هذا الباب. مع العجز الكامل من قِبل التحالف العربي والجمعيات القائمة على الدعم وقد تكون هي في الأخير سبباً من الأسباب الرئيسية في المشكلة لعجزها عن إيجاد آلية تضمن وصول المساعدات الدوائية لذوي الاحتياج، بل وزيادة عن ذلك هو عدم متابعة دعمها في المدن والأرياف والقرى للتأكد من بلوغها أماكنها المخصصة، بل تركت الحبل على الغارب لمن يستقوي بموقعه السلطوي للانفراد بالمعونات الدوائية أمام مرأى ومسمع الملأ، فمنهم الكثير من غدا عن طريق هذا المجال تاجراً ومالك عقارات، ومنهم من يبني الفلل؛ بل ذهب البعض للزواج بالثانية وقد يُلحق بالثالثة استمتاعاً في الحياة الدنيا ما بعده استمتاع.

هكذا والحديث يجر بعضه بعضاً، فغياب آلية التحالف لا تشمل قرص البندول وشريط مهدي الضغط ومحلول السكر والملح، بل يتعدى ذلك بكثير في تعامل المستشفيات المتعاقد معها التحالف العربي في استقبال الحالات المصابة أو المرضية من الجبهات المشتعلة، حيث وأن تلك المستشفيات ترفض التعامل مع الأمراض الأخرى من العامة بحجج وأعذار أنها لا تملك أسرّة فاضية للاستقبال مع أن الغرض الباطني لها مفهوم ومكشوف، حيث صار ما يدفعه المواطن لا يعني لها شيء مقابل ما تجنيه من فوائد من الطريق الآخر. وللأسف قد تكون من هذه الحالات من الذين لا تطالهم وتنالهم رعاية أصحاب السيادة والريادة في غالبها وضعها الصحي يأتي متدهوراً، ومع هذا، يظل القائمون عليها يلفون ذهاباً وإياباً مستجدين بها من مستشفى إلى مستشفى بحثاً عن سرير ليقابلوا بالرفض وبصورة متكررة مخالفة للهدف الذي أنشئت من أجله تلك الصروح الصحية.

فكم نسمع ونشاهد الكثير من الحكايات قد وصل الأمر بها إلى أن هناك من توفى وهو مستلقٍ لساعات في سيارات الإسعاف لم يسعفه الحظ ليتمكن من النزول للحصول على سرير يتلقى فيه إنعاشاً بالأكسجين أو غيره. وما يزيد الطين بلة، عندما يكون المريض من محدودي الدخل وأصابه عارض مرضي، مثلاً جلطة دماغية أو قلبية، لا سمح الله، أو حادث مروري ويتطلب الأمر تدخلاً جراحياً أو علاجياً مستعجلاً.

الغالبية باتت قلوبهم كالحجارة، وماتت رسالة ملائكة الرحمة في نفوسهم، وماتت الإنسانية ومات الضمير وماتت نخوة الرجولة ومات الإيمان ومات التكافل ومات التراحم، فلم يبقَ إلا الجشع المادي.
وبعد هذا يا تحالف عربي ويا قائمين على أعمال التحالف العربي المحترمين، إليكم هذا النداء: أليس من باب الأجر والشفقة، ولا نقول من باب المسؤولية، وضع لمسة تقي من تسول المريض ذي العارض الطارئ وتكفيه العذاب هو وأهله من مستشفى إلى مستشفى بحثاً عن بقايا حياة من أيادي من يتاجرون أصلاً بالحياة، أم أننا بشر خلقنا فاقدي المعنى والقيمة، لا نستحق سهل الحياة، وما نستحقه فقط صِعابها وعذابِها؟. كونوا ولو نصف منصفين، على الأقل، معنا ولضميركم وروابط الدين والإنسانية التي بيننا.. ونكررها وتذكروها دائماً: "فساد الهواء ولا فساد الدواء".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى