من أراد الوحدة فعليه بالانفصال

> منصور الصبيحي

>  الوحدة وحدة النفوس، ووحدة الموقف والهدف والمصير، وهي تقارب في الرؤى والتوجهات بين الأفراد والشعوب، وأيضاً إحساس واندفاع وجداني للإنسان تجاه الإنسان، وقبول واستساغة طرف لطرف آخر.
الوحدة ليست فقط في وحدة الأرض، لأن الأرض بالأساس موحدة وحدة أزلية، فهناك بلدان متقاربة ومتشابه بالتضاريس، من تشابه الجبال وامتداد الصحاري والبحار وانسياب الوديان والغيول والأنهار، وأيضاً وصولاً لتلاؤم الطقس والمناخ، وتشاركية المواسم، وقد تتعدى ذلك إلى وحدة أشياء كثيرة.

لذلك تصبح وحدة النفوس هي أساس كل وحدة من عدمها، وهي بيت القصيد فيها، أما وحدة الأرض فبالإمكان عن طريق حكم القوة القاهرة أن نجعل من وحدة الإنسان فيها أمراً واقعاً، ولكنها تمسي وتصبح شكلية مرحلية، لا تجد ما يدعمها في النفوس، وسرعان ما تزول بزوال عوامل بقائها.
لذلك ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن زمن ما قبل عام 90م كان الشعب الشمالي والجنوبي شعباً موحداً، واستمرت هذه الوحدة ثابتة متجانسة فترة من الزمن، ولكنها يوماً عن يوم، وخلال ما يقارب أربع سنين من عمرها، أخذت تضعف وتضمحل، وبذلك تتباعد حولها النفوس، حتى تكلل ذلك بغزو الشمال للجنوب عام 94م، لتصبح بدلاً من الوحدة فرقة، وهكذا صار شعب الشمال والجنوب شعبين، بدلاً من شعب واحد، لتمضي وتسير البلاد موحدة لكن بوحدة القوة القاهرة، مجزأة النفوس، والقلوب متفرقة عن بعضها، ولذلك كان ينتظر الطرف المهزوم يوم الخلاص بفارغ الصبر كي يقضي على آمال المتبختر المنتصر.

ولكن لتأتي الضربة الثانية من المنتصر وحوله في عام 2015م لتعمق الجراح وتقطع آخر عصب شعورها، وتضيف إلى الجنوبيين غبناً إلى غبنهم.
وعلى أساس هذا، من أراد الوحدة فعليه بالانفصال أو التشطير من جديد. فلا فائدة من محاولة إحياء وحدة أصلاََ هي ماتت في مهدها، واختفت من قاموس الحياة، بعد أن قد اختطفتها الشياطين الحمر وساروا بها في دروب الضياع، مؤكدين عليها، لمن أراد أن يبحث عنها، فليكن عند سلم الغيب أو قاع البئر، وعليه بالتشطير من جديد والأقرب بالانفصال، فهناك توجد على قميص الذكرى في نفس الزمان والمكان رائحة دماء كانت يوماً وحدة، فليلتقطها كي يعود مبصراً، وينظر بأم عينيه ليستشعر حقيقة عمق الجروح والندوب المتفرقة على جسد الجنوبي، على مر زمانها.

ولكن قبل ذلك توجب عليه أن يصحو من منامه، قبل أن يعتقد ويقول إن الوحدة فرض واجب، ويطلق ويلصق الدعايات حولها، عليه أولاً أن يسأل نفسه من أين جاء بها (وحدة)، وكيف وجدها مفصلة على مقاسه؟! وقبل أن تقوم بلقيس من مقامها، لتجد أرضها عن أرض عدن بعيدة، وبين لحظة وأخرى (شبيك لبيك عبدك بين يديك)، إلا وصنعاء تأكل عدن لتفسح لكل الشياطين المجال لينهشوها، وعلى كل أطرافها، تاركين مليون جرح ومليون نزيف.

من أراد الوحدة فعليه بالانفصال لا الانفعال. عليه أن يبحث عن الآباء الذين حملوا أمتعتهم وحملوا أرضاً وإنساناً وتاريخاً وعنوان هوية لشعب ثم ذهبوا إلى وحدة لتتلقفهم سادات صنعاء تفرش لهم السجاد والنمارق، من شارع التحرير إلى باب اليمن، تكرمهم وتغدق عليهم العطاء، وتحت قناعها تخفي ألف سكين وسكين لتذبحهم بها.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى