> تقرير/ خالد بلحاج:

ليس غريباً أن ترى العجائب والمفارقات في حياة الناس ومستوى معيشتهم، فيما يتخم البعض بالأموال والمناصب التي تباع بسوق النخاسة علناً، يقع آخرون في حبل المتاجرة ببيع النفس وإهانتها بأبخس الأثمان وإهدار الكرامة من خلال اختلاق أنواع من الكذب والخداع حتى يتحصلوا على قليل من المبالغ المالية أو بعض من المساعدات تحت ما يسمونه بـ "الصدقات" وغيرها.

إعانة رغم الحاجة
أبناء المجتمع الحضرمي عُرف عنهم الكرم وإعانة الفقراء والمحتاجين برغم الحاجة وقلة ذات اليد لدى البعض منهم، غير أنهم في هذه القضية منقسمون فيما يتعلق بالعطية للذين ينتشرون في الشوارع والطرقات وفي أبواب المساجد وبعض منعطفات الشوارع صباحاً ومساء، فمنهم من يؤكد أنه يعطي لمن يريد المساعدة بغض النظر عن احتياجه الفعلي أم لا، فيما يرى آخرون أن الآثار المترتبة على تفشي ظاهرة التسول وامتهانها من قِبل البعض هي استمرار في ظاهرة البطالة وتفضي إلى الجريمة أحيانا؛ لكونهم يحصلون على المال بغاية السهولة وبدون مشقة وهذا مدعاة لصرفها في الشهوات.

مواطنون يقولون لا نحتاج لصورة قيد تثبت فقر الفقير، وآخرون يعتبرون العطية تشجيع للانحراف.
وفي هذا الشأن يقول أبو أحمد (45 عاما)، وهو عامل بالأجر اليومي في الأعمال الحرة: "أنا أعطي لمن أشاهده ما مكنني الله عليه؛ وليس من حقي أن أطالب بالمستمسكات الأربعة وصورة قيد للمحتاج أو السائل، فلا المبلغ الذي أعطيه يستحق ولا هو مجبور على ذلك".

"لا أشجع عملية التسول"
بينما تقول سهى أحمد، وهي محامية: "أنا أخرج يومياً في الصباح وتعلمت أن أعطي لمن أجده في الطريق ولو مبلغ بسيط، وذلك لأني على يقين أن الصدقة حتى وإن كانت قليلة فإنها تدفع البلاء وما أكثره في حياتنا سواء المهنية أو الاجتماعية، وليس من حقي أن أستفسر عن حالة السائل الحقيقية، صحيح أنا لا أشجع عملية التسول ومد اليد إلى الآخرين ولا أقبل بها أن تصبح ظاهرة يومية لكونها غير حضارية، ولكن إذا سألك أحدهم وأنت ميسور الحال فلا بأس أن تعطيه وتفرج عنه شيئاً مما يعاني من الفقر والحاجة".

واستدركت في حديثها لـ "الأيام قائلة: "قد نسمع أن بعض المتسولين يؤجرون بعض المناطق ولا يسمحون أن يأتي فقيراً جديداً ينافسهم، والأدهى من ذلك أن البعض يؤجر أطفال مرضى لكي يتسوّل بهم في الشوارع ويستجلب بهم مشاعر الناس".

"أتسول لبناتي اليتامى"
أم علي، وهي ربة بيت، تقول: "أنا تعلمت كيف أخلص من هذه الإشكالية، وبالتالي فإني غالباً ما أعطي إن أردت أن أعطي أشياء عينية وليس قطعاً نقدية"، موضحة أنها تعطي على شكل أقراص خبز أو مواد غذائية أو ملابس لمن يستحقها بدلاً من النقود التي احتمال أن يسخرها المتسول في المعصية.
أم سميرة، امرأة فقيرة وتجلس في ركن شارع منزلها، تحدثت لـ "الأيام" عن معاناتها وأسباب خروجها لمد يدها لطلب مساعدة الناس بالقول: "قدر الله عليّ أن توفى زوجي وترك لي خلفه ثلاث بنات، وأنا ليس لدي شهادة ولا مهنة ولا بيت خاص بنا، فأين أذهب؟".

وأضافت وعلامات البؤس بادية عليها: "أهل الحلال يعطوني ما يعطوني لكي أدبر بها المعيشة وأحاول أن أربي بناتي اليتيمات اللاتي ليس لهن أحد غيري - بعد الله - يتولى أمرهن".

ظاهرة مستشرية
د. عبدالعزيز سالم، أستاذ في علم الاجتماع، علّق حول هذه القضية التي تحولت إلى ظاهرة مستشرية في المجتمع الحضرمي كغيره من مدن ومحافظات البلاد بالقول: "المشكلة ليست في الحاجة، فنحن بلد غني ويمكن أن تتبنى مؤسسات الرعاية الاجتماعية والدولة والحكومة هذه الشريحة، ولكن المشكلة أن بعضهم ومن خلال استلامهم للنقود بطريقة سهلة ما يشجعهم على صرفها في الموبقات والشهوات وغيرها من السلوكيات المنافية للشرع والقانون".

"قضية في غاية الدقة"
ولرجال الدين رأي حول هذا الموضوع الحساس والذي قد يجلب مفسدة بدلاً من المصلحة، كما يقول الكثير منهم.
الشيخ صالح أحمد أدلى بدلوه حول هذه الظاهرة قائلاً: "إن القضية في غاية الدقة، فإن كان السائل محتاجاً حقاً فإن عدم إعطائه يسبب مشكلة، أما إذا كان محترفاً للسؤال ويسأل الناس وهو ليس فقيراً فهنا القضية تختلف".

وأضاف في حديثه لـ "الأيام": "إن المرجعيات الدينية تؤكد الضغط على المؤسسات المعنية للقضاء على ظاهرة التسول من خلال تفعيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية وزيادة رواتبهم وشمول الفقراء وما أكثرهم، إضافة إلى التركيز على الجمعيات الخيرية وفق نظام تتعرف فيه على الكثير من الفقراء".