التشدد وعدم قبول النصيحة

> علي بن شنظور

> هناك فرق بين أن يثبت المرء على موقف حق ورؤية وثوابت واقعية يؤكد الواقع صحتها مع اتباعه المرونة، وبين أن يثبت ويتشدد في موقف ورؤية يؤكد الواقع فشلها أو تسببها في المزيد من الحروب.
والتطرّف ليس شرطاً أن يكون تطرّفاً وتشدداً في تبني الباطل، بل يمكن أن يكون تطرّفاً وتشدداً في تبني الحق، ولكن بدون تفريق متى نتشدد في موقفنا ومتى نتبع المرونة فيه؟!

فعلى سبيل المثال.. هل كان يدرك ثوار الماضي أنهم على باطل في بعض مواقفهم، حينما جرفوا كل شيء له علاقة بالماضي وخرجوا بكل قوتهم وغضبهم يصادرون أملاك وحقوق من كانوا قبلهم بغير حق أو ينتقمون ممن كانوا مع الأنظمة السابقة؟!
بالطبع كانوا لا يدركون بأن إسقاط الأنظمة أو طرد المحتل البريطاني وبناء دول جديدة لا تعني تجريف كل شيء بل تعني الإبقاء على ما هو نافع من الماضي وتأسيس ما يفترض وجوده من جديد لبناء الدول.. ولذلك ارتكبوا بعض الأخطاء لأنهم كانوا يعيشون نشوة الانتصار ولم يقبل بعضهم بصوت العقل!

وهكذا في 94م، هل كان نظام صالح في عقولهم حينما جرفوا كل تاريخ الجنوب وهويته ودمروا مؤسساته وظلوا يرفضون إصلاح مسار الوحدة ومن ثم قضية الجنوب حتى سقط نظامهم في 2011م؟. ثم هل الذين هم اليوم في السلطة مع الرئيس أو ضد الرئيس وشرعيته يدركون أن تشددهم سيوصلهم لنفس المأزق وقد أوصلهم لذلك في صراع 2015م، قبل عاصفة الحزم، بعد فشل تنفيذ مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة بينهم ومحاولة تجاهلهم لوضع الجنوب ومطالبه المشروعة وتمثيله الصحيح، أو بفرض حلول في الشمال من طرف وأحد جعلت الحرب تندلع ثم تطول؟

لو كان الجميع في كل المراحل يعلمون أن التطرّف سوف يوصلهم إلى ذلك ما وقعوا فيه، ولكن للأسف، في الماضي البعيد أو القريب فقد الكثير من القادة والساسة عقولهم ولم يسمعوا لصوت من كانوا يدعونهم للعقل وعدم الانتقام وعدم تسويق شعارات ثورية وقومية وناصرية أو اشتراكية أو إسلامية متشددة لا تتناسب مع طبيعة وهوية العرب وخصائص المجتمعات المحلية المحافظة، ووسطية ديننا الحنيف، ولم يستفِق بعضهم من ذلك إلّا بعد أن شربوا من نفس الكأس وأصبحوا في السجون أو المنفى والبعض منهم قُتل وهو على موقفه وتشدده وتطرفه ونزق الشيطان مصاحباً له، ولا يعلم اليوم أن موقفه الذي كان يراه حقاً في الماضي هو في الأصل كان مصحوباً بالباطل وأن ظهر عليه الحق لأنه قد ظلم من كانوا قبله فتجرع من نفس الكأس، وأن موقفه تبعثر في الهواء وذرته الرياح لا قيمة له عند الناس ولم يبقَ له تأثير في الوجود غير مجرد ذكرى وصور مؤسفة.

اليوم نحن بحاجة للعقل والمرونة السياسية أكثر من أي وقت مضى، لأن التطرف لا يمكن له أن يحسم الصراعات أو يبني أوطان مستقرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى