آهات المظلومين ودموع المحرومين

> د. علي غالب الصبيحي

> منذ بداية الخليقة والوعي بالحياة كانت وما تزال غاية الأديان والقوانين هي الرقي بالإنسان بما يعود عليه بالخير في دنياه وآخرته، وفي البلدان التي تحترم قيم الحياة يكون الانطلاق صوب هذه الغاية، لكن ما يشيب له رأس المرء بعد سنين الطفولة والتعليم والشباب أن يرتطم بما لا يكون في مخيلته.

إنها السياسة التي قيل لنا عنها: "إنها فن الكذب"، فقاتل الله السياسة، وقاتل الله المنافقين والتطبيل والمطبلين الذين لا تجني من بعدهم الأوطان إلا الخراب والضياع.

نشأنا في جنوب اليمن وما كان يسمى بـ "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وكنا ونحن صغار نتسمّر في أماكننا عندما نسمع النشيد الوطني فيذهل من انضباطنا الرعيان والأعراب، وكنا نهتف تحت سارية العلم: "لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية، وتنفيذ الخطة الخمسية، وتحقيق الوحدة اليمنية"؛ لنكتشف أن النظام الذي كان يحرم عليك أكل علبة تونة آتية من جمهورية الفيد والشعوذة "الجمهورية العربية اليمنية" يرتمي بنا على حين غفلة في أحضان صنعاء الماكرة التي لعبت بالنار فصارت تكتوي الآن، ونبقى في الجنوب بعد هذا الاندفاع العاطفي كالسمك بلا ماء، وتتبخر تلك الثلاثية التي كنا نهتف لها تحت سارية العلم "الثورة اليمنية، والخطة الخمسية، والوحدة اليمنية".

أتذكر فيما أتذكر أستاذ اللغة العربية "نعمان الهويدي"، حفظه الله وأمد في عمره، الهارب من جحيم الشمال، الذي كان يحكي لنا عن المظالم المتراكمة في محاكم الشمال من العهد التركي، وكيف شعر بخيبة أمل عشية إعلان الوحدة حين قال وهو يدخل الحصة بعد 22 مايو: "جول جول.. خلاص يا تلاميذي كانت الكبة في الشمال، والآن جول في الجنوب".

اليوم وبعد 30 عاما من عقد القران المشؤوم ما زلنا نتجرع المرارة فضاعت الثورة والخطة والجنوب والوحدة والشمال سارق الوحدة، وما زالت العصدة لم تنجح بعد، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، لكن شبه الجزيرة وبلاد الحرمين قد دخلت في المعمعة.
لا ندري من الذي يحكم هذا الشعب الذي يعد هو الآخر جزءاً من المشكلة. فرئيس في الرياض ورئيس في صنعاء ورئيس في عدن وحكومات متعددة في عدن وصنعاء ومأرب وشبوة والمهرة.

التحالف والشرعية والانتقالي لا هم لهم غير استقطاب العسكر من الشباب المغلوبين على أمرهم، الذين جاد عليهم الزمن بألوية عسكرية وأطقم، فجن جنونهم فراحوا يفحّطون ويسحقون من كان في طريقهم، فصاروا خطراً على الناس وعلى من يسير معهم وعلى أنفسهم.
الآلاف من الشباب ينخرطون بشكل يومي، وخلال شهر أو شهرين يستلمون بالسعودي ناهيك عن المصروف - واللهم لا حسد - لكن الجهاز المدني ومن أفنوا أعمارهم في بناء الحياة يتقاضون إعانة تسمى راتباً يتراوح بين 20 ألفاً إلى 40 ألفا.

التربية والتعليم في ضياع ونقمة العسكرة والساحل الغربي والريال السعودي دمّر المدارس وأفرغها، والمدارس في إضراب في ركن وزارة التربية ولا حياة لمن تنادي.

ألف من الأكاديميين أو خمسمائة من حملة الماجستير والدكتوراه في جامعة عدن أفنوا عصارة جهدهم في الحياة في التدريس لا يلتفت إليهم وفيهم من خدم الجامعة عشرون عاما، رغم توفر ميزانياتهم في المالية ولا تنقصهم غير استكمال إجراءات النقل، في حين يعتمد تسجيل مائة ألف عسكري بغمضة عين وبشخطة قلم، حتى لكأن هذا الوطن قد وجد للحرب والحرب وحدها.

بلغ السيل الزبى، ووصل الضرر حد لا يطاق في الحرب على الناس في المياه والتعليم والغاز والصحة، وأصبحت الفوضى هي السائدة، فمالكم كيف تحكمون؟ وإلى أي وجهة تسيرون؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى