الخيار الأفضل لمستقبل الجنوب

> يحيى عبدالله قحطان

> قال الله تعالى: "فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُوا۟ ذَاتَ بَیۡنِكُمۡۖ وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ".

أمام استحقاقات شعبنا الجنوبي العظيم، لأهدافه المنشودة والمشروعة، الحقوقية والسياسية والمصيرية، واستعادة حريته واستقلاله، فإننا نجد البعض من يسأل عن تحقيق الخيار الممكن والأفضل لأهداف جنوبنا المشروعة، خاصة في هذه الظروف الصعبة، وفي ظل تباين واختلاف الخيارات الوطنية المتعددة، لذالك فإنه ينبغي على المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل في هذه المرحلة للقضية الجنوبية العادلة، الانفتاح والتفاوض والتحاور، مع جميع المكونات والحركات الوطنية والاجتماعية الجنوبية، على مختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية، من أجل الاتفاق على كلمة سواء، وأمر جامع، فالجماعة رحمة والفرقة عذاب، ويد الله مع الجماعة.

كما يجب قبول بعضنا البعض مهما اختلفت آراؤنا وخياراتنا الوطنية حول مستقبل جنوبنا الحبيب، وتحقيق الخيار الأفضل والأسلم، الخيار الممكن تحقيقه، وبالطرق السلمية، خاصة في هذا الظرف الاستثنائي، الذي يعيشه مواطنونا، وهذا يتطلب بالضرورة مراعاة معطيات الواقع المحلي والإقليمي والدولي.
فإذا كان بعض الأشخاص والمكونات الوطنية الجنوبية مع الوحدة الاندماجية، أو مع الدولة الاتحادية الفدرالية، أو مع فك الارتباط، فيجب أن لا نخون بعضنا لبعض، كما كنا نعمل في الماضي، وفي نفس الوقت لا يجوز لهذا الفريق أو ذاك أن يعتبر أن خياره الوطني حول مستقبل الجنوب هو الخيار الأفضل، وخيار غيره هو الأسوأ.

مذكرين أن كل الخيارات الوطنية وإن تعددت سوف تؤدي في الأخير وبإذن الله إلى إعطاء الشعب الجنوبي حقه الشرعي في تقرير المصير، وعبر فترة انتقالية مزمنة.
تقرير المصير هو الحكم العدل الفصل، وهو الحق الشرعي الذي كفلته الشريعة الإسلامية السمحاء، والعهد الدولي، وقوانين الأمم المتحدة، فما تقرره أغلبية الشعب الجنوبي عبر استفتاء حرّ شفاف وديمقراطي، وبإشراف دول التحالف، والمنظومة الدولية يكون ساري المفعول.

فإذا كان مثلاً صوت الأغلبية من الجنوبيين لصالح فك الارتباط، فإن رأي الأغلبية يجب أن يسود، وهكذا إذا كان صوت الأغلبية لصالح الدولة الاتحادية الفدرالية.
ولذالك على الأقلية احترام رأي الأغلبية، وعلى الأغلبية احترام رأي الأقلية ومنع إقصائهم، فالوطن الجنوبي يسع الجميع.

مع العلم أن اليمن شمالا وجنوبا يعيش حاليا تحت الوصاية الخارجية والبند السابع.

كما أن السياسة الشرعية تقوم على تحقيق الممكن، وما لا يدرك كله لا يترك جله، والقاعدة الشرعية تقوم على "درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و "من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه"، والعبر أمامنا، عندما استعجلنا على التوقيع على الوحدة الاندماجية الارتجالية الفاشلة بين دولة الجنوب ودولة الشمال عام 90م قبل أن نتوحد ونتصالح ونتسامح كجنوبيين، ونقبل بعضنا بعضا، ونحترم الرأي والرأي الآخر والخيارات الوطنية المختلفة التي كانت تطرح.

فمثلاً لقد كنا نعتبر كل من يرفض الوحدة مع الشمال، ويسمي الجنوب بالجنوب العربي، يعتبر خائنا رجعيا يجب إقصاؤه وتصفيته، ومن يسمي دولة الجنوب جمهوريه اليمن الجنوبية الشعبية، ويحدد قانون الجنسية، أن الجنوبي من ولد في الجمهورية الجنوبية، والشمالي من ولد في جمهورية الشمال، يعتبر يميني يجب التخلص منه، أما كل من يؤمن بوحدة اليمن الطبيعية والجنسية اليمنية الموحدة، ويطلق على الدولة جمهورية اليمن الديمقراطية، فيعتبر وطنيا تقدميا يساريا يحظى بقيادة الجنوب، وبالوظائف والامتيازات وإقصاء جميع المعارضين، كل ذلك للأسف الشديد يرجع للنزعة البرجماتية النفعية، الفئوية والمناطقية، والثأرية والانتقامية، واستقواء بعضنا على بعض، ونظراً لكل ما ذكر دفعنا الثمن غاليا، وكانت نتائج اختلافاتنا وصراعاتنا كارثية ومأساوية على الجميع.

حيث انتهينا كشعب ودولة جنوبية ذات سيادة معترف بها محليا وإقليميا ودوليا، وأصبحنا اليوم نعظ على أصابعنا ندماً على ما فرطنا في حق شعبنا ومواطنينا وعلمائنا، وسلاطيننا ومشايخنا، وخيرة رفاقنا ومناضلينا الأماجد، ولكن في حين لا ينفع الندم.

واليوم نجد القناعات والخيارات الوطنية والهوية الجنوبية، قد تغيرت عند هذا الفريق أو ذاك، فكل من يؤمن بالوحدة اليمنية أو من يطلق اسم الجنوب اليمني بدلا من الجنوب العربي يعتبر خائناً؛ بل كل من دعاء إلى التسامح وترسيخ الوحدة الوطنية بمنظور إسلامي، يتعرض للهمز واللمز، كما تعرض صاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد عبده عمر اليافعي، خريج الجامعة الإسلامية المدينة المنورة، وخريج جامع الأزهر الشريف، وهو عضو في مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة، والمعين من قِبل اليمن الديمقراطية قبل الوحدة، ولا يزال يشغل هذا المنصب حاليا، وقد نال عدة شهادات من رئاسة المجمع، تقديراً لما يقدمه من بحوث قيمة إسلامية، القائمة على الوسطية والاعتدال والتسامح بين المذاهب والأديان، إضافة إلى تأليفه عدة كتب دينية، وله مواقف مشرفة وشجاعة مدافعاً ومناصراً ليافع والمناطق الجنوبية لا يتسع المجال لذكر ذلك، مع الشكر والتقدير لكل من أنصف الشيخ الفاضل محمد عبده عمر، هذا والعاقبة للمتقين.

قال الله تعالى: "وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى